صراع استنزاف متواصل: كيف حول الحوثيون هزائمهم إلى قوة وتحدي للصالح القومي الأمريكي
منذ اندلاع الصراع في اليمن، شهدنا تحولاً لافتاً في موازين القوى، حيث استطاع الحوثيون، على الرغم من التحديات الهائلة والقدرات العسكرية المتفوقة للتحالف بقيادة السعودية المدعوم من الولايات المتحدة، أن يحولوا الصراع إلى حرب استنزاف طويلة الأمد. لم يكن هذا مجرد صمود عسكري، بل هو استراتيجية مُحكمة أدت إلى إضعاف الموقف الأمريكي وتقويض أهدافه في المنطقة.
النشوة الأمريكية والواقع المرير
في بداية الصراع، كانت هناك ثقة مبالغ فيها في قدرة التحالف على تحقيق نصر سريع وحاسم. اعتقدت واشنطن أن دعمها اللوجستي والاستخباراتي سيكون كافياً لقلب الموازين. لكن الواقع على الأرض أثبت عكس ذلك تماماً. الحوثيون، بفضل تنظيمهم القوي، وقدرتهم على التكيف مع الظروف المتغيرة، وبدعم شعبي واسع النطاق، تمكنوا من إدامة المقاومة وإلحاق خسائر فادحة بالعدو.
التكلفة الاقتصادية الباهظة
الحرب في اليمن أصبحت عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على السعودية والولايات المتحدة. مليارات الدولارات أُنفقت على العمليات العسكرية والدعم اللوجستي، دون تحقيق أي تقدم حقيقي على الأرض. هذا الإنفاق الضخم أثر سلباً على اقتصادات الدولتين، وساهم في تزايد الضغوط الداخلية.
الأضرار الإنسانية والسياسية
لم تقتصر الأضرار على الجانب الاقتصادي فحسب، بل امتدت لتشمل الأبعاد الإنسانية والسياسية. الحرب تسببت في أزمة إنسانية كارثية، حيث يعاني الملايين من اليمنيين من الجوع والمرض والنزوح. كما أدت إلى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية، وتزايد المخاوف من انتشار التطرف في المنطقة.
التخلي عن الأهداف وتغيير الاستراتيجيات
في ظل هذه الظروف، بدأت الولايات المتحدة في إعادة تقييم استراتيجيتها في اليمن. تم تخفيض الدعم العسكري للتحالف، وزيادة الضغوط من أجل التوصل إلى حل سياسي. هذا التغيير يعكس إدراك واشنطن بأن استمرار الحرب لن يحقق أي من أهدافها، بل سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع وزيادة المخاطر.
الحوثيون: قوة صاعدة
على الرغم من كل التحديات، تمكن الحوثيون من ترسيخ مكانتهم كقوة سياسية وعسكرية لا يمكن تجاهلها. لقد أثبتوا أنهم قادرون على الصمود في وجه قوة عظمى، وتحويل هزائمهم إلى نقاط قوة. هذا النجاح يعود إلى عدة عوامل، من بينها: الوحدة والتلاحم في صفوفهم، والقدرة على استغلال نقاط ضعف العدو، والدعم الشعبي الواسع.
نحو مستقبل غير مؤكد
مستقبل اليمن لا يزال غير مؤكد. لكن من الواضح أن الحوثيين سيظلون لاعباً رئيسياً في المعادلة. وعلى الولايات المتحدة أن تدرك أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وأن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والمعاناة.
